تكتب سناء خان في تحليل سياسي يحذّر من مسار يتّجه نحو تقسيم فعلي لغزة، مع تعثّر الجهود الأميركية لدفع خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى ما بعد وقف إطلاق النار.
يعرض موقع مودرن دبلوماسي تطورات المشهد الميداني والسياسي داخل القطاع، حيث تسيطر إسرائيل وفق المرحلة الأولى من الخطة على 53٪ من غزة، تشمل مناطق زراعية وأجزاء من مدينة غزة ورفح، بينما يعيش نحو مليوني فلسطيني في حالة نزوح داخل ما تبقى من القطاع الخاضع لسلطة حماس.
غزة الآن تقف أمام مفترق طرق يتجاوز فكرة ترتيبات أمنية مؤقتة. المشهد يشير إلى احتمال ترسيخ واقع جديد يرسّخ الانقسام الجغرافي والسياسي، ويضع مستقبل القضية الفلسطينية تحت ضغط شديد.
واقع التجزئة: كيف يتشكل التقسيم على الأرض؟
يتحوّل وقف إطلاق النار إلى حالة جمود سياسي تسمح للخريطة الجديدة بالتصلّب. إسرائيل تواصل فرض سيطرتها على مناطقها المخصصة في الخطة، وتسعى إلى الإبقاء على شريط عازل على طول الحدود، بينما ترفض إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة المناطق التي تخضع لسيطرتها.
تحتفظ حماس بالمناطق الأخرى من القطاع، وتظهر استعداداً للانخراط في ترتيبات جزئية مثل إطلاق سراح رهائن، لكنها ترفض نزع السلاح بشكل كامل.
المشهد لا يخدم الفلسطينيين في جوهره؛ فالتقسيم المحتمل يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية للقطاع بحيث يصبح الانفصال واقعاً مستمراً يعقّد أي أفق لبناء دولة فلسطينية موحّدة، ويحوّل إعادة الإعمار إلى ورقة تفاوض معلّقة على شروط أمنية وسياسية معقدة.
الفاعلون الدوليون: مواقف متباينة وحسابات متشابكة
الولايات المتحدة تدفع الخطة عبر صياغة قرارات في مجلس الأمن تهدف إلى إنشاء قوة متعددة الجنسيات وسلطة انتقالية تتسلّم إدارة القطاع. غير أنّ واشنطن تواجه مقاومة من أطراف أوروبية وعربية تتردد في إرسال قوات أو الانخراط عسكرياً في منطقة شديدة التعقيد.
الدول العربية الكبرى تضغط نحو دور أكبر للسلطة الفلسطينية، وتخشى من أن يؤدي تغييبها إلى إضعاف شرعيتها أكثر، بينما يحذّر دبلوماسيون من أن أي ترتيبات لا تعالج جذور الصراع ستظل مُعرّضة للانهيار.
السلطة الفلسطينية تطالب بسيادة كاملة ودور رئيسي في الإعمار، وتعتبر أن تجاوزها يكرّس منطق “الإدارة الأمنية” بدلاً من الحل السياسي. في المقابل، يواصل المدنيون في غزة مواجهة انهيار الخدمات، ودمار البنية التحتية، وانقسام الإدارة بين سلطتين لا تتبادلان الاعتراف ولا تمتلكان رؤية مشتركة.
السيناريوهات المقبلة: طريق ضبابي وإعمار معلّق
تقدّم خطة ترامب يتوقف على أربع عقد رئيسية: نزع سلاح حماس، انسحاب إسرائيل من المناطق التي تسيطر عليها، قبول قوة دولية، ووجود دور فعّال للسلطة الفلسطينية. ولا يبدو أي من هذه الشروط قريباً من التحقق.
تكاليف إعادة الإعمار يتوقع أن تصل إلى 70 مليار دولار، لكن التمويل ليس مضموناً في ظل غياب رؤية دولية موحّدة. المحللون يشيرون إلى أن غياب قيادة أميركية قوية، مع تصلّب موقف إسرائيل، قد يترك غزة في حالة تقسيم فعلي لسنوات طويلة، حيث يرسّخ الواقع الجديد نفسه على حساب أي تسوية سياسية شاملة.
ويظهر القطاع اليوم كمسرح لأزمات ممتدة: مؤسسات ضعيفة، حكم مزدوج، نزوح جماعي، وغياب أي ضمانة دولية قادرة على فرض انتقال سياسي واقعي. ومع مرور الوقت، يزداد خطر تحوّل التقسيم المؤقت إلى واقع دائم ينسف فكرة وحدة الأراضي الفلسطينية ويقوّض مشروع الدولة.
الصورة التي ترسمها سناء خان تعكس لحظة حرجة؛ فغزة ليست فقط ساحة صراع، بل مرآة لصراع الإرادات الدولية، وصندوق اختبار لفكرة الدولة الفلسطينية، وميداناً يتصارع فيه الأمني مع الإنساني، والمرحلي مع الدائم. استمرار التعثر يعني بقاء غزة معلّقة بين سلطتين، ومحكومة بموازين قوة لا تمنح سكانها سوى وعود مؤجلة.
هكذا يبدو المشهد: خطة متوقفة، إعادة إعمار عالقة، وسكان يدفعون ثمن الانقسام، بينما يتقدم التقسيم خطوة بعد خطوة على الأرض.
https://moderndiplomacy.eu/2025/11/11/partition-of-gaza-looms-as-trump-plan-stalls/

